التميّز بالمحيط الأزرق: قصص نجاح 3 شركات تحدت السوق بالابتكار
أصبحت المنافسة التقليدية فخًا مُهلكًا لنحو 70% من أعمال الشركات في غضون عامين. سابقا كانت المنافسة في عالم الأعمال بين بضع مئات الشركات على الأكثر، ولكنها تحولت لمنافسة شرسة مع انخفاض الحواجز العالمية؛ مما جعل النهج التقليدي والمنافسة على شريحة من سوق قائم نهجًا غير مُستدام بشكل متزايد
ومن هنا، نرى أن مفتاح النجاح لا يكمن في التنافس على حصة من السوق، بل في إنشاء سوق جديد تمامًا، وهذا هو جوهر وخلاصة استراتيجية المحيط الأزرق. وتعد هذه الاستراتيجية من مدارس إدارة الأعمال التي تركز على ابتكار منتجات وخدمات جديدة قد تخلق أسواقًا غير مُستكشفة لتكون رائدة فيها
وهناك العديد من الشركات العالمية التي تحولت من المحيطات الحمراء والاستثمار في المنافسة إلى المحيطات الزرقاء الهادئة، وذلك من خلال طرق عدة. ومع ذلك، نٌركز في هذا المقال على ثلاثة
أمثلة للشركات التي حولت منتجها الأساسي إلى إصدار مطور، وهو الأمر الذي يسمح للشركات بالتواجد في مستوى جديد بالكامل
طريقة نينتندو
كان مايعرف بـحرب مشغلات ألعاب الفيديو تقود سوق ألعاب الفيديو خلال فترة الثمانينيات وحتى أوائل الألفينيات؛ حيث تم استخدام كلمة “حرب” لوصف مدى احتدام المنافسة بين صُناع مُشغلات ألعاب الفيديو والظاهرة التي كادت تقضي على شركة ألعاب الفيديو اليابانية نينتندو
وابتكرت شركة نينتندو مُشغل ألعاب الفيديو الأول لها في عام 1977، وذلك قبل الشهرة العالمية التي نالتها عقب إصدارها للعبتي دونكي كينج وسوبر ماريو بروس في عامي 1981 و1985 على التوالي
وفي مطلع الألفينيات، بدأت أعمال نينتندو في التراجع، حينما شرعت شركة سوني في السيطرة على صناعة ألعاب الفيديو
واعتبارًا من يونيو 2003، استحوذ جهاز بلاي ستيشن 2 على 74% من السوق، لتصل حصة نينتندو جيم كيوب وإكس بوكس مايكروسوفت إلى 13% لكل منهما
ولكي تستعيد صدارة السوق، تبنت نينتندو استراتيجية المحيط الأزرق وابتكرت طريقة للخروج من حرب مُشغلات ألعاب الفيديو؛ حيث قامت الشركة اليابانية بطرح جهاز وي بالأسواق في عام 2006، وهو مُشغل ألعاب فيديو وظيفي وتفاعلي يُركز على المتعة بدلاً من قوة الحوسبة؛ مما جذب غير هواة الألعاب التقليدين
كما قامت نينتندو بإلغاء كلاً من الأقراص الصلبة والدي في دي وظيفيًا على الرغم من اعتبارهم أساسيين في معظم مُشغلات ألعاب الفيديو، وقللت من جودة المعالجة والصوت والجرافيكس، ولكنها أطلقت ميزات جديدة تضم عصا التحكم اللاسلكية وإمكانية اللعب في مجموعة اجتماعية أكبر
وفي عام 2007، باعت نينتندو نحو 6.3 مليون جهاز من وي في الولايات المتحدة، لتتفوق مبيعاتها بسهولة على كلاً من مايكروسوفت بمبيعات وصلت إلى 4.6 مليون لجهاز إكس بوكس 360 وسوني بمبيعات بلغت 2.6 مليون من جهاز بلاي ستيشن 3
ومع ذلك، فإن استراتيجية المحيط الأزرق ليست صفقة لمرة واحدة، نظرًا لتطور السوق ومستهلكيه يومًا بعد يوم
وبعد أقل من عقد من الزمن، بدأت مبيعات وي تتهاوى عقب الخلل الرهيب الذي شهدته الألعاب القابلة للتنزيل على الهواتف المحمولة والحواسيب اللوحية
وردًا على ذلك، دخلت نينتندو مرة أخرى إلى محيط أزرق جديد في عام 2017 من خلال طرح جهاز نينتندو سويتش بالأسواق، وهو جهاز صغير يتيح لُمستخدميه الاستمتاع بألعاب الفيديو على التلفزيون وأثناء التنقل
وفي عام 2018، تم بيع 4.8 مليون جهاز من نينتندو سويتش عقب 10 أشهر فقط من إصداره بالسوق، ليُصبح مُشغل ألعاب الفيديو الأسرع مبيعًا على الأطلاق في الولايات المتحدة
وحتى يومنا هذا، لا تزال مبيعات أجهزة نينتندو سويتش مستمرة في النمو، لتتجاوز حتى مبيعات أجهزة وي. واعتبارًا من سبتمبر 2023، وصلت مبيعات جهاز نينتندو سويتش إلى أكثر من 132.5 مليون جهاز حول العالم، وذلك بالمقارنة مع 101.6 مليون جهاز وي تم بيعه، بحسب بيانات من ستاتيستا
التحول إلى ميتا
تعمل عدة شركات حاليًا على تطوير النسخة الخاصة بهم من العالم االافتراضي ثلاثي الأبعاد، وهو ما يُعرف بـ”ميتافيرس”. ومع ذلك، تتمتع شركة ميتا بمكانة فريدة في السوق تُهيمن على مجال التواصل الاجتماعي لقدرتها على تحويل مُستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العاديين إلى مستخدمين افتراضين جزئيًا في عالم افتراضي
وكلنا على دراية بقصة إطلاق مارك زوكربيرج لموقع فيسبوك في عام 2004، وتوسعه خارج نطاق طلاب الجامعة في 2006 ليُسيطر على عالم التواصل الاجتماعي، إلا أن هذا لم يحميه من محدوديات وتداعيات التواجد في المحيط الأحمر
وكما ذكر زوكربيرج في أكتوبر 2021، يُعد هذا أحد الأسباب الرئيسية التي دفعته إلى تغيير علامته التجارية إلى “ميتا” وبدء عصر الميتافيرس. وكانت هذه الخطوة بمثابة رهانًا كبيرًا على المستقبل؛ حيث بلغت الاستثمارات الأولية لهذا التحول نحو 10 مليارات دولار
وظهر مصطلح “ميتافيرس” لأول مرة عام 1992 عندما تمت صياغته في رواية الخيال العلمي “سنو كراش”، ولطالما كانت حلمًا للعديد من كبار اللاعبين وهدفًا مُحققًا منذ ظهور تقنية الواقع الافتراضي و الواقع المعزز
ومع ذلك، تتمتع ميتا بقدرة فريدة من نوعها على إنشاء وقيادة محيط أزرق جديد، وذلك لكونها الشركة الأم لأكبر 4 منصات للتواصل الاجتماعي، بما في ذلك فيسبوك، وواتساب، وإنستجرام
وأعلنت شركة ميتا في بيان سابق لها في عام 2021، أن الميتافيرس سيتيح للأفراد مشاركة تجارب غامرة مع آخرين حتى عندما لا يستطيعون التواجد معًا، كما سيمكنهم أيضًا من القيام بأشياء معًا لا يستطيعوا فعلها في العالم الحقيقي
وفي عام 2022، قُدرت قيمة سوق الميتافيرس العالمية بنحو 65.5 مليار دولار، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 82 مليار دولار هذا العام، لتقفز إلى 936.6 مليار بحلول 2030، وفقًا لتقرير صادر من شركة ستاتيستا العالمية للأبحاث في إبريل
ولدمج استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي مع الوجود الافتراضي تطبيقات ومزايا لا حصر لها؛ حيث تُعد الأحداث الافتراضية العالمية، والوصول إلى مستويات عالمية من التعليم، والكيانات الحكومية الافتراضية من الأمثلة القليلة على تطبيق الميتافيرس
وعلى أية حال، لا تزال الرحلة طويلة جدًا لما يواجهه عالم الميتافيرس من عوائق وعيوب. وتُعتبر التكلفة المرتفعة للأجهزة أحد العوائق الرئيسية، لأن توفير الهواتف اللازمة ونظارات الواقع الافتراضي وأدوات الواقع المعزز الأخري للجميع سوف تستغرق وقتًا
أما بالنسبة إلى العيوب التي تردع تبنيه، فإن القائمة طويلة، بدءًا من الجريمة وتطبيق القانون، إلى سرقة الهوية والخصوصية، وغيره. ولهذا، شركة ميتا أمامها طريق طويل لتقطعه قبل أن تجني ثمار أسواقها الجديدة
استراتيجية نتفليكس
تأسست شركة نتفليكس عام 1997، وقامت في بداية رحلتها بإطلاق خدمة تأجير أقراص الدي في دي، وذلك قبل ابتكارها لخدمة البث الحي والتي منها طرحت سوقًا جديدًا تمامًا
وظهرت نتفليكس على الساحة عندما كانت سلسة المتاجر الأمريكية لتأجير أفلام الفيديو “بلوك باستر” في الصدارة. وحينها طوّرت نتفليكس السوق حيث اتبعت نهج المحيط الأزرق لتقديم خدمة تأجير أقراص الدي في دي عن طريق البريد، والذي كان خيارًا أسهل وأكثر فعالية بالمقارنة مع المتاجر التقليدية
ومن خلال اتباعها لنموذج الدفع الشهري ذو الرسوم الثابتة، واجهت نتفليكس مسألتين رئيسيتين، وهما المواعيد النهائية للإرجاع والرسوم المُتأخرة؛ حيث كان للعملاء الخيار في تصفح واختيار فيديو لاستئجاره دون الحاجة إلى مغادرة منازلهم
وعلى مدار ما يقرب من 25 عامًا، أرسلت نتفليكس 5.2 مليار قرص دي في دي إلى 40 مليون مُشترك مميز عبر البريد في أظرفها الحمراء المعروفة
وفي عام 2007، حدثت الشركة استراتيجة المحيط الأزرق التي تتبناها بالفعل، لتتحول من توصيل أقراص الدي في دي عبر البريد إلى خدمة البث عبر الإنترنت، والتي كانت مبتكرة آنذاك. وأتاحت هذه الخدمة لمُشتركي نتفليكس مشاهدة الأفلام والمسلسلات بنقرة زر واحدة
وعندما احتدت المنافسة في سوق البث عبر الإنترنت، سارعت نتفليكس إلى تمييز نفسها عن منافسيها وبدأت في إنتاج محتوى اصلي؛ مما أتاح لها توسيع نطاق أعمالها، ومن ثم جذب شرائح جديدة من العملاء
الدروس المستفادة
على الرغم من أن استراتيجية المحيط الأزرق تتطلب فهمًا عميقًا لديناميكيات السوق، واستعدادًا للتجربة، والتزامًا نحو الابتكار المتواصل، إلا أن الناتاج المُحتملة لها جوهرية وملموسة
وتُلقي الأمثلة المذكورة أعلاة الضوء على القوة التحويلية لاستراتيجية المحيط الأزرق في تمكين العديد من الشركات من الهروب من قيود المحيط الأحمر، وإعادة ترسيم حدود السوق، وخلق عروض جديدة ذات قيمة، وتحقيق نمو ملحوظ
وعلينا الاعتراف بأن اتباع استراتيجية المحيط الأزرق لا تخلو من المحدوديات؛ حيث يتطلب تطبيقها أحيانًا تحولاً جوهريًا في العقلية، واستعدادًا لتحدي الحكمة التقليدية، واستثمارًا غنيًا في الموارد
والجدير بالذكر، أن قابلية تطبيق أي استراتيجية على المدى الطويل تعتمد على قدرة الشركة على التكيف والابتكار في مواجهة ديناميكيات السوق التي تتغير باستمرار
وبغض النظر عن هذه المحدوديات، تظل استراتيجية المحيط الأزرق موضع اهتمام للشركات التي تسعى إلى التحرر من قيود المنافسة وخلق فرص جديدة تمامًا بالسوق. وتُعد الدراسات المذكورة في هذا المقال شاهدًا على قوة هذه الاستراتيجية لما تُقدمه من رؤى قيمة ومفيدة للشركات التي تعتزم تبنيها