هل يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الشركات على استكشاف أسواق جديدة؟
شهدت ساحة الأعمال سباقًا حماسيًا خلال العام الماضي بقيادة تبني الشركات لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ، مع التوقعات بنمو مذهل في الأشهر المقبلة
وبينما لا تزال إمكانيات واستخدامات الذكاء الاصطناعي في مراحلها المبكرة، إلا أن نسبة تبني الشركات لهذه التكنولوجيا حول العالم تصل إلى 84٪، وفقًا لتقرير نُشر في سبتمبر حول “حالة الذكاء الاصطناعي في عام 2023” من قبل شركة ماكنزي العالمية للأبحاث
ومع ذلك، عندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي بشكل مُفصل، فهو يُستخدم أساسًا في خدمة العملاء والمهام المُتعلقة بالتسويق، بحسب التقرير نفسه. وبعبارة أخرى، يكون استخدامه مُقتصرًا على تسهيل المهام التنفيذية، بدلاً من فتح آفاق جديدة في عالم الأعمال
وهذا يُثير العديد من التساؤلات: هل يكون الذكاء الاصطناعي مفيدًا عندما يتعلق الأمر بتطوير الاستراتيجيات؟ هل يمكن أن يساعد رواد الأعمال في تقييم المشاكل التي تواجه عملياتهم الحالية؟ هل يمكن أن تساهم البيانات المُقدمة في تحديد فجوات السوق الحالية أو اكتشاف أسواق جديدة محتملة؟
يتمتع الذكاء الاصطناعي بإمكانات لا مثيل لها في تشكيل عالم الأعمال، وفقًا لتصريح الرئيس التنفيذي لشركة فاليويت، تامر جودة، حيث أشار إلى أن “الحدس البشري هو الشيء الوحيد الذي لن يتمكن التعلم الآلي من محاكاته” وعلى سبيل المثال، في مجال الرعاية الصحية، قد يتخذ الأطباء قرارات لا علاقة له بما هو موصوف بالكتب. ومن هنا، يوضح السيد جودة قائلاً إن هذا هو الحدس والبداهة في العمل، والذي يُعد أيضًا جوهر تطوير الاستراتيجية
ويُعد تبني استراتيجية “المحيط الأزرق” مثالاً قويًا على محدودية الذكاء الاصطناعي في الوقت الحاضر فيما يتعلق بجهود الشركات في خلق فرص جديدة؛ فهذه الاستراتيجية توجه الشركات بعيدًا عن المنافسة في الأسواق القائمة بمجموعة مماثلة من المنتجات، وبدلاً من ذلك تقوم بإنشاء سوق جديدة تمامًا لتصبح رائدة فيها
وتتطلب مثل هذه المدرسة الاستراتيجية تحليلًا كبيرًا للبيانات، وهو ما يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام به، بالإضافة إلى فهم أعمق للدوافع البشرية، وهو ما يُعتبر من القيود المعروفة للذكاء الاصطناعي التوليدي
لا للذكاء الاصطناعي؟
يدور الخلاف فيما يتعلق بالاعتماد على رؤى الذكاء الاصطناعي حول مدى مصداقية وتحيز وعدم اكتمال البيانات المُستخدمة في التعلم الآلي. فهذه الآلات في تعلمها لا تفرق بين البيانات المُقدمة من تقارير الخبراء و محتوى الذي يهدف فقط إلى زيادة عدد الزوار
وكشفت دراسة استقصائية أجرتها شركة سايلزفورس في مارس 2023 لأكثر من 500 قيادي في مجال تكنولوجيا المعلومات عن إعراب حوالي 73٪ منهم عن قلقهم من النتائج المتحيزة المُحتملة؛ حيث رصد 63٪ منهم تحيزات في مخرجات الذكاء الاصطناعي التوليدي. وعلى نفس النحو، عبّر 56٪ من المشاركين في دراسة ماكنزي عن قلقهم بشأن دقة البيانات
وهناك العديد من آراء الخبراء التي توضح محدوديات الذكاء الاصطناعي المبنية على البيانات، وخاصة عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات، ولكن هناك ثلاثة مشاكل تتصدر القائمة، وهم حاجز البديهية، و التخصص في المجال، ومعضلة الصندوق الأسود
أولًا، حاجز البديهية؛ فالآلات لا تستطيع محاكاة أو إدراج البديهيات والحس السليم في حساباتها. وعلى الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على معالجة الأرقام بسرعة مذهلة، إلا أن العديد من نماذجه لا تستطيع فهم المنطق الأساسي وتتعامل مع جميع البيانات على قدم المساواة
ثانيًا، التخصص في المجال؛ حيت تتفوق معظم نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية للغاية في مهام مجالها، ولكن يتراجع أداؤها في خارج نطاق تخصصها
ثالثا، معضلة الصندوق الأسود، خاصة فيما يتعلق بنماذج التعلم العميق؛ حيث تتخذ العقول الحسابية قرارات بطرق يصعب على العقل البشري فهمها وتتبعها. وقد ساهم هذا الغموض في ظهور مصطلح “الصندوق الأسود” في عالم الذكاء الاصطناعي
وتُعد مشاكل الخصوصية ضمن المخاوف التي تُثار حول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، نظرًا للانتهاكات التي تتعرض لها حقوق النشر خلال عملية التعلم الآلي، أو حتى تحويل البيانات دون إشراف كافِ، بالإضافة إلى احتمالية سوء استخدام هذه البيانات لأغراض غير قانونية مثل سرقة الهوية أو حتى الابتزاز
كما يُعد الأمن السيبراني مصدر قلق كبير آخر للشركات التي تشارك بياناتها مع الذكاء الاصطناعي؛ حيث تصدر قائمة المخاطر بالنسبة لـ 53٪ من المشاركين في استطلاع ماكينزي
ومن المُرجح أن تتلقى العديد من الشركات التي تتبنى أهدافًا وظروفًا مماثلة نفس التوصيات تمامًا عند استخدامهم للذكاء الاصطناعي، وذلك في حالة وصوله إلى المرحلة التي تُمكنه من اكتشاف فرص جديدة في السوق؛ مما يؤدي بدوره إلى المحيطات الحمراء وذلك بظهور منافسين جدد في الأسواق القائمة واحتدام المنافسة أو تكدس الأسواق ذاتها
أم نعم للذكاء الاصطناعي؟
على الرغم من المخاطر المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي، إلا أن الأدوات المدعومة بهذه التكنولوجيا قد سهلت عملية تبني استراتيجية المحيط الأزرق بعدة طرق. فعلى سبيل المثال، يُساعد الذكاء الاصطناعي الشركات في فحص مؤشرات الأداء الرئيسية بشكل أفضل للتأكد من أن أعمالهم تسير وفقًا للاستراتيجية المُحددة
وأظهرت دراسة عالمية شملت أكثر من 3000 مدير و17 مدير تنفيذي أجرتها مجلة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سلون، أن الشركات التي استخدمت الذكاء الاصطناعي لتحديد مؤشرات أدائها الرئيسية كانت أكثر عرضة بواقع 4.3 مرة لتحقيق توافق أفضل بين مهامها مقارنة بتلك التي لم تستخدمه؛ ففي الأساس، تساعدهم هذه التكنولوجيا على تعزيز النتائج الاستراتيجية وتحسين الأداء بشكل ملحوظ
كما يُعد تحليل بيانات المُستهلك أو الصناعة أحد الاستخدامات الأخرى للذكاء الاصطناعي في تطوير الاستراتيجيات. وفي ظل الضعف الحالي لأدوات الذكاء الاصطناعي في التوصية بأسواق مُتخصصة جديدة، إلا أن هذه الأدوات تستطيع توفير شهورًا في معالجة البيانات الضخمة؛ مما يسمح للشركات باتخاذ قرارات أكثر دقة بشكل أسرع
وتُساعد أدوات الذكاء الاصطناعي أيضًا في التعرف على الأنماط وتمييزها، وهو عنصر حاسم في تطوير الخطط الاستراتيجية
ويستفيد عدد من الشركات من العقول الحسابية في جمع وتحليل وتصنيف البيانات العالمية؛ مما يوفر لمستخدميها خيارات لا حصر لها لاكتشاف فجوات في الأسواق، أو الوصول إلى أسواق جديدة، أو المساعدة في التحقق من إمكانية نجاح أفكار المنتجات الجديدة
ومثال على هذا شركة كويد التي تُركز على مساعدة الشركات على التوسع في أسواق جديدة، إلى جانب المواقع الإلكترونية المثتخصصة في التحقق من فاعلية الأفكار مثل ايدياسكور و يوريكا
مسألة وقت
تتسابق الشركات على إتقان التعلم الآلي، وهو الأمر الذي يجعل السباق محمومًا؛ حيث تعمل الشركات العالمية العملاقة على توجيه الاستثمارات والخبراء نحو تطوير أدوات تحاكي الذكاء البشري. وبالتالي، حتى لو كان المنطق والحدس البشري يقودان عملية تطوير الاستراتيجية حاليًا، فقد تكون مسألة وقت قبل أن تتمكن الآلات من محاكاة هذه القدرات في عملية اتخاذ القرار
وفيما يتعلق بالأعمال، يرى 97٪ من الرؤساء التنفيذيين أن الذكاء الاصطناعي سوف يُحدد مسار أعمالهم، بحسب أحدث البيانات لشركة الاستشارات العالمية اكسينتور. وكذلك، أشارت 67٪ من الشركات المُتضمنة بالدراسة إلى زيادة ميزانيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها
وإلى الآن، يكمن التحدي في الموازنة بين استخدام الذكاء الاصطناعي للاستفادة من قدرته على معالجة البيانات والتعرف على الأنماط، مع السماح للخبرة التقليدية في مجال الأعمال بقيادة العملية